مقدمة

القراء الأعزاء،
هناك مصطلح مستمد في الأصل من العلوم، ولكنه غالبًا ما يستخدم خارج نطاق البحث العلمي والتجارب السريرية. في كثير من الأحيان يتم الإعلان عن منتجات عديدة مثل منتجات العناية الشخصية، أو الكريمات، أو المكملات الغذائية التي تحمل شعار “مختبر سريريًا”، دون توضيح من المنتج أو الإعلان ماذا تعني بالضبط كلمة سريريًا. أيضًا الاختبارات التي أجريت تكون شديدة التنوع في كثير من الأحيان، ولذلك فإنه من الصعب بالنسبة للشخص العادي أن يفهم كيف أرادت الشركة المصنعة للمنتج أن تبرهن على فعاليته بهذا المصطلح. في أكثر الحالات شيوعًا – وكتوضيح استباقي – لا يعني مصطلح “مختبر سريريًا” سوى أن هذا المنتج غير ضار، لا أكثر ولا أقل. طبعاً، بالمقارنة مع كل ما استخدم عبر التاريخ من الوسائل والتقنيات للتغلب على مشكلة تساقط الشعر على سبيل المثال (انظر مقالة أساطير حول تساقط الشعر)، فيمكننا أن نعتبره ميزة كبيرة أن يكون منتج معين غير ضار، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أن المنتج له تأثير إيجابي.
ويبدو لي في هذا السياق، أن هذا المصطلح “مختبر سريريًا” في مرات غير قليلة بصفة خاصة على منتجات العناية بالشعر. وهذه الخاصية “مختبر سريريًا” من المفترض أنها تخبرنا في كثير من الأحيان أن هذا المنتج له تأثير إيجابي على كثافة الشعر أو نسيج الشعر أو يحمي من تساقط الشعر. ولكن ينبغي التعامل مع مثل هذه الوعود بحذر، لأنه في كثير من الأحيان لا تثبت الاختبارات أي شيء مما يحاول الإعلان أن يُقنعنا به. لذلك أريد أن أغتنم هذه الفرصة لأشرح لك في هذه المقالة، ما المقصود تحديدًا بالتجارب السريرية وما العوامل التي تجعلها تختلف عن ذلك النوع من الدراسات التي تسمى “سريرية” لأغراض الدعاية. وبهذه الطريقة سوف تعرف جيدًا الرسائل الإعلانية التي يمكنك الوثوق بها، وأيها ينبغي أن تشك في مصداقيتها.

أتمنى لكم الاستمتاع بالقراءة!
مع خالص تحياتي،
أنجيلا ليمان

ما المقصود بالتجارب السريرية، وما الخصائص التي تميزها عن غيرها من أشكال البحث؟

تشير التجربة السريرية في البداية إلى شكل خاص من جمع البيانات أو فحص عام لإحدى التقنيات العلاجية الحديثة، مثل الأدوية أو الأجهزة الطبية. عمومًا، تنقسم هذه الدراسات إلى أكثر من قسم وفقًا لعدة جوانب. فمن ناحية يمكن التمييز بين جوانب تصميم الدراسة، التي تؤثر على القيمة العلمية لهذه الدراسة. وتشمل هذه الجوانب:
هل الدراسة تعتمد على الدواء الوهمي؟ هل هناك مجموعة تجريبية تلقت علاجًا أو دواءً ليس له أي تأثير ظاهري، وتمت مقارنة هذه المجموعة مع مجموعة أخرى حصلت بالفعل على العلاج الحقيقي أو الدواء الفعلي؟
هل يتعلق الأمر بدراسة عشوائية؟ يعني هل تم اختيار مجموعة الاختبار بشكل عشوائي، أم تم تقسيم المجموعتين العلاجية والوهمية على أساس معايير محددة سلفًا؟
هل الدراسة فردية التعمية أم مزدوجة التعمية أم مفتوحة؟ مفتوحة تعني أن كلاً من الباحثين والمشاركين في الدراسة يعرفون ما إذا كانوا في مجموعة العلاج الوهمية أو العلاجية. في حالة التجربة “العمياء” الفردية يكون المشاركون فقط هم من لا يعلمون. أما في الدراسة مزدوجة التعمية فالباحثون أيضًا لا يعلمون ما إذا كان المشارك الذي يجري تقييم نتائجه عضوًا في مجموعة العلاج أو الدواء الوهمي.

كما يمكن وضع جوانب مختلفة أخرى لدى تصميم الدراسة، ولكن الجوانب الرئيسية الثلاثة المذكورة أعلاه تعتبر الأهم في الوقت الراهن.

© NIAID | Teilnehmer einer medizinischen Studie wird ein Wirkstoff in den Arm injiziert. © NIAID under Creative Commons Attribution License

© NIAID | Teilnehmer einer medizinischen Studie wird ein Wirkstoff in den Arm injiziert.
© NIAID under
Creative Commons Attribution License

كما يمكن تقسيم التجارب السريرية وفقًا لمراحلها. هذه المراحل تنقسم إلى جزئين: ما قبل السريرية والسريرية. يهتم جزء ما قبل السريرية من الدراسة بالبحث الأساسي عن الأثر المحتمل للدواء الجديد، أو المقارنة بين مرشحين مختلفين للدواء. وتلعب النظم النموذجية هنا دورًا رئيسيًا، لما لها من قيمة تنبؤية متنوعة للتجارب قبل السريرية. ويمكن هنا التمييز بين التجارب المجراة داخل المختبروالتجارب المجراة في الوسط الحيوي. في التجارب داخل المختبرات، يتم إنتاج مادة فعالة جديدة من البكتيريا على سبيل المثال أو التحقيق في أثرها الطبي على ديناميات التمثيل الغذائي لخلايا الخميرة. جميع التجارب المختبرية تشترك في أنها تتم داخل أنبوب الاختبار (باللاتينية: in vitro). في المقابل، يتم اختبار المادة الفعالة الجديد في التجارب المجراة في الوسط الحيوي على الكائنات الحية للتحقيق في مفعولها على الكائنات المركبة. في كلتا الحالتين، يجب مراعاة أن النتيجة في المختبر وفي التجارب على الكائن الحي يجب ألا تنتقل تقريبًا أو على الإطلاق إلى البشر. في هذه المرحلة قبل السريرية، يتم التركيز كما ذكر أعلاه على البحوث الأساسية. فإذا تمت جميع هذه الاختبارات بنجاح، يتم السماح بانتقال العلاج أو الدواء للفحص السريري. وهذا الفحص ينقسم إلى أربع مراحل، مع العلم أن بعض المصادر تذكر مرحلة إضافية أيضًا هي المرحلة 0، ولكن يمكن التغاضي عنها في مقالتنا هذه. في المرحلة الأولى من الدواء يتم الاستعانة في الغالب بالذكور البالغين الأصحاء وفي سن الشباب. ويكون الغرض من هذه المرحلة في البداية هو اختبار سلامة الدواء. في حالة وجود إناث متطوعات يكون هناك احتمالات للتعرض لأضرار في البويضات على سبيل المثال، في حين أنه مع المتطوعين الذكور يعاد تشكيل الخلايا التناسلية باستمرار. وعلاوة على ذلك، ينبغي للمرشحين المتطوعين للدراسة في هذه المرحلة أن يتمتعوا بصحة وعافية جيدين، وإلا فلن يمكن استخلاص استنتاجات حول ما إذا كان التأثير الملاحظ يرجع سببه لمرض ما بالمرشح أم للدواء المراد اختباره. يتم في المرحلة الأولى معرفة مدة بقاء الدواء في الجسم، وكيف يتم استقلابه، وما إذا كان له آثار جانبية. في المرحلة الثانية من التجارب، يتم اختبار الدواء لأول مرة على الأشخاص المصابين بالمرض المستهدف. ويتم هنا اختبار ما إذا كانت الاستراتيجية العلاجية النظرية، التي وضعت على أساس البيانات قبل السريرية، صحيحًا (المرحلة 2أ). وإلى جانب هدف التعرف على الآثار الجانبية التي تحدث، يتم البحث عن الجرعة المثالية (المرحلة 2ب). أما في المرحلة الثالثة من الدراسة، فيجب إثبات فعالية الدواء على عدد كبير من المرضى المتطوعين في الدراسة. فإذا كان هناك بالفعل أثر إيجابي واضح للدواء (المرحلة 3أ)، يتم تقديم طلب الحصول على التصريح بتسويق المستحضر، وهو ما يتم في المرحل 3ب. في المرحلة الرابعة والأخيرة يتم اختبار الأدوية المصرح بها للتعرف على مدى تفاعلها مع غيرها من الأدوية، كما يتم اختبارها للتعرف على ما إذا كانت تسبب آثارًا جانبية نادرة للغاية (أقل من 1 لكل 10.000). ويخضع هذا الإجراء لمراقبة دقيقة على جميع النتائج من قبل الهيئات المستقلة. عادة ما يرتبط إجراء هذه التجارب السريرية بتكاليف تصل إلى عدة ملايين من الدولارات وعدة سنوات من البحث والتطوير. يتم الحصول على تصريحات الأدوية ومراقبة الدراسات في الولايات المتحدة من قبل هيئة الغذاء والدواء، أما في الاتحاد الأوروبي فيتم من قبل المفوضية والدول الأعضاء، وفي سويسرا من قبل الهيئة السويسرية للمنتجات العلاجية “سويس ميديك” ومقرها في برن.

عودة إلى فهرس المحتويات

ما هي المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على جودة الدراسة السريرية؟

سنناقش فيما يلي مزيدًا من التفاصيل حول بعض العوامل التي يمكنك من خلالها الحكم على جودة أو موثوقية الدراسات السريرية. من حيث المبدأ، كل ما تحتاجه هو اتصال بالإنترنت.

عودة إلى فهرس المحتويات

هل نشرت هذه الدراسة؟ وإذا كان الأمر كذلك، أين؟

ظهر علامة “مختبر سريريًا” ومرادفاتها في البداية ضمن رسالة إعلانية غير مراقبة، ولا تعبر عن أية جودة للمنتج. أي شخص يعلن عن منتج خضع لاختبار سريري، يجب عليه أيضًا أن يشير بطريقة أو بأخرى لنتيجة هذا الاختبار. على سبيل المثال، كثيرًا ما نشاهد في الإعلانات التلفزيونية ما يسمى بكريمات مكافحة الشيخوخة، ويذكر الإعلان أن هذا الكريم حائز على رضا نسبة كبيرة من المستخدمات. وعلى هذا النهج يسير أيضًا بعض مصنعي منتجات العناية بالشعر على سبيل المثال، وينشرون مثل هذه الدراسات على مواقعهم الإلكترونية على شبكة الإنترنت. إن المعيار الحقيقي لجودة المنتج هو أن تحصل الدراسة على موافقة بالنشر في إحدى الدوريات العلمية. ويمكن التحقق من ذلك بعدة طرق مثل البحث عن عنوان الدراسة في قواعد البيانات العلمية. فإذا وجدت هناك معلومات عن الدورية العلمية التي نشرت الدراسة وعن الدراسة نفسها وسنة النشر، يمكنك التأكد من أنه هناك دراسة علمية حقيقية قد نشرت بالفعل. وفي المقابل، يستطيع أي مصنع أن يدعي أن منتجاته مختبرة سريريًا، سواء في التلفزيون أو على موقعه على الإنترنت. ولكن إن لم تتوفر بيانات متاحة ويمكن الوصول إليها عن هذه المنتجات، يظل هذا الأمر مجرد ادعاء لا يرقى لمستوى التأكيد.
عودة إلى فهرس المحتويات

كيف تم الحصول على نتائج الدراسة؟

وهذا المجال واسع للغاية، ويجب مراعاة العديد من العوامل المرتبطة به. هناك عوامل ومنها على سبيل المثال هل أجريت الدراسة على أشخاص متطوعين، أم كانت مجرد تجارب مختبرية كما هو موضح أعلاه. هذا الفرق مهم لأن هناك أيضًا دراسات مختبرية تحقق في نمو الشعر على سبيل المثال من خلال التعامل مع عينات من فروة الرأس. لذلك ربما لن يكون مستغربًا أن نرى أن الشعر ينمو، إذا قمنا بوضع قطعة من فروة الرأس تحتوي على بصيلات الشعر في محلول مغذي مناسب، ثم قمنا بعد ذلك بقياس نمو الشعر. هذه الترتيبات التجريبية مصطنعة للغاية، ولذلك لا يمكن أن نتوقع من هذه الطريقة الكثير لتقدمه للنمو الطبيعي للشعر في الكائن الحي. ومع ذلك ربما تحقق هذه التجارب نتائج تثبت تأثير المنتج، وهو ذلك التأثير الذي لن يظهر قط في كل مناطق جسم الإنسان.

© INRA DIST under Creative Commons Attribution 2.0 License

© INRA DIST under
Creative Commons Attribution 2.0 License

ولكن الوضع يختلف عندما تجرى الدراسة على أشخاص متطوعين. أولاً، من المهم تحديد كيفية اختيار المشاركين. هل يتم اختيارهم بشكل عشوائي ثم تقسيمهم لمجموعتين إحداها للعلاج الحقيقي وأخرى للوهمي، أم يتم اختيار أشخاص مصابين بالفعل بمرض ما ربما يمكن الشفاء منه من خلال المشاركة في الدراسة؟ هنا لا تلعب دوافع المشاركين دورًا محوريًا في الدراسة. كما ينبغي الانتباه إلى ما إذا كانت هناك اختلافات عمرية كبيرة بين المشاركين. فإذا كان الأمر كذلك، فربما يكون بعض المشاركين مصابين بأمراض أخرى يمكن أن يكون لها تأثير على الاختبار. هل ذكرت هذه الأمراض في الدراسة، أم تم التغاضي عن ذكرها؟

كما ينبغي ملاحظة عدد الأشخاص المشاركين في هذه الدراسة. فربما تم الاكتفاء بعدد قليل، كون الدراسات العلمية تتكلف الكثير من المال بصفة عامة. إلا أنه لا يجوز أن يكون عدد المتطوعين قليلاً للغاية، وإلا فلن تخرج الدراسة بأية قيمة تنبؤية. ولذلك فإن الوضع المثالي يكون بأن يقوم الباحثون بحساب عدد الأشخاص المتطوعين للدراسة، بحيث يمكن الحصول على النتائج وإثبات الأثر الطبي.

واحدة من أهم النقاط الرئيسية تتعلق بمرحلة إجراء التجربة، وهي مدى حضور الموضوعية في مقابل الذاتية في تصميم الدراسة. ففي الدراسات التي تتم بصفة خاصة على منتجات العناية غير الطبية، يطلب من المشاركين في كثير من الأحيان أن يجيبوا على أسئلة مطروحة في استبيانات التقييم الذاتي. ولكن من الطبيعي أن يجد معظم الأشخاص صعوبة في تقييم الجوانب المطروحة على أساس علمي. فعلى سبيل المثال، إذا تم سؤال المشاركين عن انطباعاتهم بعد استخدام أحد الكريمات، هل زادت التجاعيد أم قلت؟ الحقيقة أن إجاباتهم لن تحمل قيمة حقيقية بالمعنى العلمي، وخاصة إذا كان مثلاً الكثير من التجاعيد لدى المتطوع قبل بداية الدراسة وربما جعلته يعاني منها أيضًا. في هذه الحالة سوف تتشوه الصورة لدى المتطوع بشدة عند إجرائه للتقييم الذاتي، ولن يمكن الحصول على المعلومات المطلوبة منه بشكل صحيح. وللتخفيف من هذه الحالة، يتم الاستعانة في الغالب بعدد من الأطباء طوال فترة البحث، وسؤالهم عن انطباعاتهم الطبية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يخفف من حدة تشوه الدراسة، إلا أننا لا نحصل في النهاية على نتيجة قياسية موضوعية.

عودة إلى فهرس المحتويات

هل ذكرت الآثار الجانبية أو معلومات الاستعمال؟

أية دراسة ترغب في وضع تحقيق علمي، عليها أن تسجل بصفة مستمرة أية أعراض أو آثار جانبية غير متوقعة ظهرت أثناء اختبار المتطوعين. في أحسن الأحوال، ربما لم تظهر مثل هذه الآثار. ولكنها يجب أن تسجل في جميع الأحوال في مكان ما. وبالتالي يمكن للقارئ أن يستنتج بنفسه أنه على الأقل ليست هناك عواقب سلبية معروفة لاستخدام المنتج، وبالتالي فإن استخدامه لن يضر. ولكن هذه المعلومات لا تعد مؤشرًا على الأثر الطبي للعلاج، لأن مدى فاعلية أو عدم فاعلية العلاج لا يرتبط بالضرورة بالآثار الجانبية التي يمكن أن تنتج عنه. كما يجب على القارئ أن يدقق في مثل هذه الدراسة، ليعرف ما إذا كان بإمكانه استخدام المنتج بشكل عملي تمامًا كما تم في الدراسة. وهذا يعني أولاً أن تحاكي الظروف التجريبية الظروف “الفيزيوبيولوجية” إلى أقصى حد ممكن. هذا المعيار لا يتم مراعاته مثلاً عندما لا تستطيع المادة الفعالة في أحد المكملات الغذائية إحداث التأثير المطلوب إلا بتركيزات عالية، مما يتطلب تناول عدة كيلوجرامات من المنتج في اليوم الواحد. مثال آخر: مادة فعالة لإيقاف تساقط الشعر (الصلع)، يجب أن تظل على فروة الشعر لعدة ساعات كي يظهر مفعولها. ولكن هذه الفترة ربما تتجاوز الفترة الطبيعية لغسيل الشعر. وعلى الجانب الآخر، ينبغي على المستخدم المستقبلي التفكير في هذه المنتجات، وما إذا كان استخدامها يتوافق بشكل تام مع عاداته ونمط حياته. وهذا يعني النظر في ما إذا كان يستطيع تحمل تكلفة الاستخدام المستمر لكريم بشرة لمكافحة التجاعيد على المدى الطويل. أو إذا كان استخدام شامبو لعلاج تساقط الشعر يتطلب تغيير عاداته في غسل شعره.

عودة إلى فهرس المحتويات

هل يمكن أن تترتب على نتائج الدراسة تعميمات غير مقبولة؟

يحدث في كثير من الأحيان – وهذا الأمر لا يتعلق بالتأكيد “بالتجارب السريرية” فحسب – أن يطرح مؤلفو المنشورات العلمية تعميمات غير مقبولة اعتمادًا على النتائج المتحصل عليها. ولا يمكن الافتراض في هذه الحالة أن هناك من يقوم بهذا الأمر عن قصد أو حتى بنيّة خبيثة. إن التعامل مع مجال البحوث على مدار سنوات بشكل مكثف يكفي لأن يضع الباحث يده بسرعة على الموضع الذي يكون فيه الاستنتاج الختامي ذا مغزى. ولتوضيح هذا الأمر، يمكن التفكير في المثال التالي: الشركة المصنعة للمنتج (سواء الأدوية، أو الغسول، أو الشامبو، أو الأجهزة) التي من شأنها أن تمنع تساقط الشعر، تختبر منتجاتها وتلاحظ عبر طرق القياس أن معدل نمو الشعر قد زاد بعد استعمال المنتج. ثم تخبر الشركة الزبائن المحتملين عبر أحد أشكال الدعاية، أن هذا المنتج المختبر سريريًا يحفز نمو الشعر. والجانب الصحيح من هذا الخبر هو أن المنتج له بالفعل أثر حقيقي، ولكن في أنه يجعل الشعر الموجود بالفعل ينمو بشكل أسرع. ولكن الرسالة الإعلانية تصمت تمامًا عن البوح بأن هذا الأمر ينطبق على بصيلات الشعر التي لا تزال بصحتها فقط، لأن البصيلات الميتة لا يمكن “إحياؤها من جديد”! ولكن هذا الأمر لا يمكن معرفته إلا بالرجوع إلى النشرة الخاصة بالمنتج.

عودة إلى فهرس المحتويات

هل هناك شكوك منهجية أو مالية حيال البيانات المنشورة؟

نقطة أخيرة يمكن من خلالها الكشف بسهولة عما إذا كان يمكن النظر إلى الدراسة باعتبارها دراسة جادة، وهي المنهجية المحتملة أو التشابكات المالية. لإثبات هذا الأمر أو حتى كي يمكن الكشف عنه، يكون هناك حاجة غالبًا لإجراء أبحاث مكثفة. منهجيًا يزداد الأمر صعوبة عندما ينتهي الباحث من وضع الإجراءات التي تمت في الدراسة. هذه النقطة لا تبدو مثار شك في البداية، ولكن حقيقة الأمر أنه في كثير من الأحيان لا يتم نشر كل تفاصيل التجربة في المنشورات المتخصصة. فالغرض من تحري الصدق لدى وضع التفاصيل هو تمكين القارئ من الوصول إلى معدات البحث أو المواد الكيميائية ذات الصلة، والتي يتمكن من خلالها من تنفيذ التجارب بنفسه. وأكثر شيوعًا من هذا الشرح المفصل للإجراءات هو االإشارة إلى منشورات سابقة بالعبارة التالية: “تم شرح مسار البحث بدقة في وقت سابق (المصدر).” وعندما يتجه القارئ إلى مطالعة هذا المصدر الجديد، يمكن أن يكتشف أن كلاً من منهجية البحث والنتائج المترتبة على هذه المنهجية موضوعة من قبل شخص واحد ووحيد. وبالتالي فإن هناك قيود تنشأ على صحة البيانات المنشورة، ارتباطًا بهذه الحالات التي تتسم بالفردية. وهذا ينطبق أيضًا، حتى دون افتراض وجود دوافع سيئة لدى الباحثين. وكثيرًا ما تطرح الدراسة أيضًا ما يسمى بتضارب المصالح. هذا فصل خاص من المنشور العلمي، على الباحث أن يشير فيه إلى ما إذا كانت هناك أية مصالح مالية أو مهنية قد أثرت على إعداد المنشور، أو ما إذا كان نشر البيانات يؤدي إلى التأثير على أي نوع من المصالح الخاصة بأطراف خارجية. فإذا كان الأمر كذلك، يطلب من مؤلفي الدراسة الكشف عن هذا الأمر في فصل تضارب المصالح. وفي نفس الوقت تتواجد في بعض الأحيان محتويات مثيرة للجدل في موضوع تضارب المصالح. فهناك حالات على سبيل المثال يتم فيها الإعلان عن تمويل الدراسة من قبل إحدى الشركات، وفي الوقت نفسه يحصل الباحثون على مبالغ مالية أيضًا من نفس الشركة. والأمر يزداد صعوبة إذا كانت الشركة المذكورة هي نفسها الشركة المصنعة للدواء أو الجهاز الذي يجري اختبار فاعليته. هذه الظروف ليست غريبة على الإطلاق، ولا تسبب مشكلة في كثير من الحالات، لأنه ليس مستغربًا أن يكون هناك العديد من الشركات في العالم مهتمة بأن تحظى منتجاتها بالإثباتات العلمية المطلوبة لفعاليتها. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المعلومات أو التعقيدات الارتباطية بين الباحثين والشركات ليست غير مشروعة، وأقصى ما في الأمر هو أن تحوم حولها شكوك أخلاقية. ولكن هذا لا يحجب حقيقة أن على القارئ أن يكون فطنًا بما فيه الكفاية لأن يضع في اعتباره هذه العلاقات التجارية، عند حكمه على المنتج غير الطبي في أنه يستحق بالفعل شعار “مختبر سريريًا” أم لا.

عودة إلى فهرس المحتويات

هل لا زالت لديك شكوك في جدية المنشور؟

إذا كان المنشور يستوفي متطلبات الجودة التي سبق ذكرها في هذه المقالة، يمكنك التأكد من أنه منشور جاد ودقيق. أما إذا كانت الشكوك لا تزال تساورك حول كيفية إعداد البيانات، فهناك نصيحة أخيرة لك: إلى جانب الشركات التي يمكنها دعم إجراء الدراسات العلمية، هناك في كل بلد تقريبًا في العالم، هيئة رقابية مختصة بالبحث العلمي وتراقب الأموال التي يتم إنفاقها في مجال الأبحاث. وعند تقديم الطلبات يطلب العديد من هذه المؤسسات تقديم ما يسمى بنظام إدارة البيانات. هذا الأمر يهدف إلى جعل البيانات الأولية الأصلية المستمدة من التجارب السابقة متاحة للكثير من الباحثين والمدققين الآخرين، بحيث يمكن في أي وقت فحصها والتحقق من صحتها. ربما يمكنك الاستفسار ما إذا كان يمكنك الوصول إلى تلك البيانات الأولية، وبالتالي يمكنك البحث بنفسك والتأكد من استخلاص النتائج الصحيحة في التجارب. كما يمكنك أيضًا الرجوع إلى الباحثين أنفسهم. فبطبيعة الحال يتواجد على جميع المنشورات عنوان مرجعي يمكن التواصل من خلاله مع الباحثين الناشرين للدراسة. أحيانًا يستحق الأمر البحث والاستفسار، والنظر مرة أخرى عن قرب!

عودة إلى فهرس المحتويات