مقدمة
القراء الأعزاء،
هناك أشخاص يعانون من فقدان شعر الرأس لأسباب وراثية أو أسباب ترتبط بإصابة ما، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإصابة بقدر من المعاناة والضغط النفسي، مما يجعلهم يبحثون بشكل مكثف عن حل لهذه المشكلة. إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن أي إجراء طبي من شأنه استعادة الشعر المفقود يقترن ببعض المخاطر بالنسبة للمريض. وفي هذا الصدد يجب أن يكون إجراء المحادثة التثقيفية الدقيقة مع كل مريض أمرًا بديهيًا بالنسبة لجميع الجراحين والأطباء الذين يقدمون مثل هذه الخدمات في نطاق خدماتهم. وإنني للأسف ألاحظ دائمًا وخاصًة عند البحث في الإنترنت أن هناك عدد ليس بالقليل من مقدمي تلك الخدمات لا يتحملون تلك المسؤولية الملقاة على عاتقهم من تثقيف المريض بتلك الأمور على المدى الطويل. ويؤدي ذلك في النهاية إلى علاج المرضى الذين يعانون من فقدان الشعر دائمًا بطرق مشكوك فيها. ويتم الإعلان عن مزايا تلك الطرق بأنها سريعة ومعقولة التكلفة ونتائجها دائمة، وهو ما ينطبق بشكل خاص على زراعة الشعر الصناعي. إلا أن استخدام تلك الطرق قد يتسبب في الإصابة بمضاعفات سريعة ومتزايدة بصورة خطيرة والتي قد يكون علاجها فيما بعد مكلفًا جدًا من حيث التكلفة والوقت. وفي أسوأ الأحوال قد توصف الأضرار التي قد تسببها عملية زراعة شعر صناعي بأنها دائمة. وحتى إن كان عدد مقدمي خدمات زراعة الشعر الصناعي قد شهد تراجعًا في الأعوام الأخيرة، إلا أنه من وجهة نظري لا يزال هناك عدد كبير جدًا من مقدمي الخدمة غير الجادين والذين يحاولون جذب العملاء بعروض “الصفقات الرابحة”، وللأسف الشديد فإنهم ينجحون في ذلك في الغالب. وبناءً على خبرتي الشخصية يصبح هؤلاء المرضى نتيجةً لذلك عملاءً أيضًا لعيادتنا، نظرًا لأن عملية زراعة الشعر الصناعي تسبب أضرارًا كارثية نوعًا ما. ولهذا السبب فإنني أود من خلال مقالتي هذه أن أحيطكم علمًا بأخطار مثل هذه المعالجات، وأشجعكم على التماس أكثر من رأي لعلاج فقدان الشعر.
أتمنى لكم قضاء وقت ممتع مع قراءة هذه المقالة!
مع أطيب التمنيات،
أنجيلا ليمان
ما المقصود بعملية زراعة الشعر الصناعي وكيف يتم إجراؤها؟
تمثل عملية زراعة الشعر الصناعي إجراءً علاجيًا جراحيًا تجميليًا، يُستَخدَم للأشخاص الذين يعانون من تساقط الشعر (الصلع). وبالنسبة إلى عملية زراعة الشعر الصناعي كإجراء علاجي يُنظَر إلى سبب تساقط الشعر كأمر ذي أهمية ثانوية. وبالتالي يروج مقدمو هذا الإجراء دعاية بإمكانية علاج حالات فقدان الشعر الناجم عن إصابة أو جروح وكذلك أيضًا الصلع الوراثي (الثعلبة ذكرية الشكل) كشكل طبيعي لأشكال فقدان الشعر. وكما يوحي الاسم فإن هذا الإجراء يقوم على طريقة محددة لا يُستَخدَم فيها الشعر (المتبقي) للمريض لزراعة المنطقة المستقبلة كما هو الحال في عمليات زراعة الشعر الذاتي التي أقوم بها، ولكن بدلاً من ذلك تتم زراعة شعر صناعي يتم اختياره بناءً على الملمس والطول واللون. وهنا لا يضاهي الشعر الصناعي بالضرورة الشعر البلاستيكي. فهناك شعر صناعي يُصنَع من البوليمرات البلاستيكية (البلاستيك) وشعر صناعي أيضًا يأتي من مصادر “طبيعية”. ولذا فإن نوعية مصدر الشعر الصناعي أمر ذو أهمية ثانوية من الناحية الطبية والصحية. وبرغم ذلك فإن مصدر الشعر الصناعي يُستخدَم لأغراض تسويقية. وهكذا تتوفر في الإنترنت بعض العروض التي تُعلِن عن “شعر صناعي عضوي” ولكن الأمر لا يزال مبهمًا بشأن ماهية تلك المادة البلاستيكية “عضوية”.
وبغض النظر عن ذلك يتفق الكثيرون من كبار مُصَنِّعي الشعر الصناعي أن منتجاتهم مغطاة بمادة الكولاجين. ويعتبر الكولاجين نوعًا من أنواع البروتين الموجود في جسم الإنسان ويتحكم في مرونة الجلد على سبيل المثال. ومن المفترض أن الكولاجين الموجود في الشعر الصناعي ينبغي أن يؤدي إلى نمو الشعر الصناعي بصورة أفضل وشفاء الإصابات الناشئة بصورة أسرع. ونظرًا لأن الشركات المنتجة للشعر الصناعي تعلم مخاطر مثل هذه المعالجة، فإنه في سبيل الترويج للشعر الصناعي يتم الإشارة إلى استخدام أيونات فضة – التي تُحدِث تأثيرًا مضادًا للميكروبات وتحمي من الالتهابات – على الجزء المثبت من الألياف الصناعية. وثمة مادة شائعة تستخدم في الشعر الصناعي وهي بولي بيوتيلين تريفثالات على سبيل المثال، وهي مادة يُزعَم أنها شديدة التحمل للإجهاد الميكانيكي. فضلاً عن ذلك يتم أيضًا ترويج أن هذه المادة تُستَخدَم كذلك في الخياطات الجراحية غير القابلة للامتصاص، على سبيل المثال في جراحة الأوعية.
وبصفة أساسية يتكون الشعر الصناعي – على غرار الشعر الحقيقي – من
- ساق شعر
طويل. وفي النهاية التي يتم زرعها في الجلد توجد عقدة صغيرة والتي تضمن تثبيت الشعر فيما بعد في فروة الرأس. علاوة على ذلك ينبغي أن يتميز الشعر الصناعي بقدرته على مقاومة المواد الكيميائية وحرارة مجفف الشعر المستخدمة في إطار الحياة اليومية. هذا، ويكتب مقدمو خدمات زراعة الشعر الصناعي على صفحاتهم على الإنترنت أن عملية زراعة الشعر الصناعي تتم تحت تأثير التخدير الموضعي مثلها مثل زراعة الشعر الذاتي. وتتم عملية الزراعة باستخدام جهاز خاص يُنشئ قناة من الغرز في فروة الرأس، وفي الوقت نفسه يركب الشعر الصناعي في الجلد. وهنا تتم زراعة كل شعرة على حدة، بحيث تنشأ في كل مرة قناة من الجروح قطرها حوالي 0.3 ملليمتر. وبمجرد تركيب الشعر الصناعي في الجلد يحاول الجسم أن يُغلِق قناة الغرز الناشئة، من خلال هجرة الخلايا السليمة إليها وملئها في النهاية بالنسيج الضام. وهنا ينمو النسيج الضام الجديد في الوقت نفسه خلال عقدة الشعر الصناعي من أجل تثبيت الشعر بقوة في فروة الرأس. أما بالنسبة إلى الرعاية اللاحقة فلا تتوفر لدى مقدمي تلك الخدمات إلا معلومات قليلة في هذا الشأن. ويُفتَرَض أنه من الممكن تشكيل الشعر الصناعي وتجفيفه بالمجفف وتصفيفه أيضًا مثله مثل الشعر الحقيقي بالضبط. إلا أن بعضهم يقر بأنه من الممكن أن يحدث فقدان هائل من الشعر الصناعي المزروع بنسبة تصل إلى 20% في كل عام. إلا أن هذه المعلومات لا تعدو أن تكون مجرد ادعاءات فردية، ولكن لا يمكننا في هذا المقام تقدير مدى صدق مقدمي الخدمة في المحادثة التثقيفية مع المريض. وكما ذكرنا آنفًا فإن مقدمي خدمة زراعة الشعر الصناعي لا يخجلون من إعلانهم عن خدماتهم بكلمات وردية، حيث يفضلون استخدام الصفات المؤثرة في الدعاية والإعلان، مثل “متوافقة مع الاحتياجات الفردية”، “ملموسة في الحال”، “طبيعية”، “جمالية”، “سريعة”، “بسيطة”، “بدون ألم”. فهذه العبارات تقلل بوضوح من الطابع الطبي لهذا التدخل وتُصَوَّر لقارئ هذه العروض وكأن الأمر في هذه المعالجات يتعلق بزيارة لصالون التجميل. ومن أكثر الأمور اللافتة للنظر في هذه العروض الإشارة إلى “الميزة الممتازة للتكلفة في مقابل الخدمة”. ولهذا السبب يجب توخي أقصى قدر من الحذر لأن هناك قاعدة من أهم قواعد الاقتصاد تنص على أنه عندما يتنافس مقدمو خدمة ما في خفض السعر في معركة الأسعار فإن هذا يؤثر حتمًا على جودة الخدمة المعروضة، حيث يشير مقدمو الخدمات الطبية أو العلاجات الطبية المتسمون بالجدية بالكاد إلى السعر بوصفه حجةً للبيع، نظرًا لأن مصلحة المريض بالنسبة لهم تحتل الأولوية الأولى، وهو ما لا يمكن التعبير عنه كقيمة مالية. ولكنَّ هذا لا يعد السبب الوحيد الذي يدفعك إلى النظر إلى عملية زراعة الشعر الصناعي بعين النقد. فإنني أود أن أشير إلى أسباب أخرى فيما يلي.
لماذا يتعين استبعاد عملية زراعة الشعر الصناعي
كما ذكرنا آنفًا، تعد عملية زراعة الشعر الصناعي تدخلاً جراحيًا في الجسم دائم الأثر، ولهذا السبب يجب أخذها بعين الاعتبار من نواحي التدابير الاحتياطية مثلها كمثل التدخلات الجراحية الطبية الأخرى.
إن فكرة إعادة ملء مناطق الشعر المفقود بشعر صناعي لهي فكرة قديمة نسبيًا، فعلى سبيل المثال براءة اختراع الجهاز الذي يمكن باستخدامه زراعة الشعر الصناعي في فروة الرأس وتثبيته هناك من خلال عقد صغيرة – كما هو موضح أعلاه – ترجع إلى عام 1976 (رقم براءة الاختراع: US 4103365 A). ومن المدهش أيضًا أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) حظرت زراعة الشعر الصناعي في الولايات المتحدة في عام 1983. وقد تمت صياغة هذا الحظر في الجزء رقم 895.101 من الكود رقم 21 من اللوائح الفيدرالية لهيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، حيث تبرر الهيئة أسباب هذا الإجراء بأن الشعر الصناعي ينطوي على مخاطر الإصابة بأمراض أو إصابات نتيجة لعدم التوافق البيولوجي، وأنه لا يستوفي المتطلبات اللازمة للمنتجات الطبية. فضلاً عن ذلك، فترى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA أيضًا أن عملية الزراعة تنطوي على فعل مخادع (fraud أو احتيال بالمعنى الحرفي)، نظرًا لأن هذا الإجراء يرتبط بنشر معلومات خاطئة بشأن فعالية هذا العلاج وتوفير معلومات غير كافية عن مخاطر عملية زراعة الشعر الصناعي وأن هذا الإجراء ليس له أية مزايا أو فوائد للصحة العامة. وعلى الرغم من العديد من التطورات المُعلَن عنها في مجال زراعة الشعر الصناعي في العشرين عامًا الماضية إلا أن هذه الأحكام أكدتها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA مجددًا في عام 2004. ومن ناحية أخرى يتعين علينا أيضًا أن نقول أن العديد من الهيئات المعنية بالصحة في العالم لا تتفق معها بشأن هذه المخاوف وأنها لا تزال تسمح بإجراء عمليات زراعة الشعر الصناعي هناك. وسوف نعود إلى هذه الحقيقة مرةً أخرى فيما بعد.
عدم الاستدامة
من بين الأسباب الأولى التي يجب أن تدعوك إلى الشك في عملية زراعة الشعر الصناعي هي أنك لا يمكنك أن تطمح إلى الشعور بسعادة دائمة بناءً على معالجة تمت لمرة واحدة. فعندما نرجع مثلاً إلى الأرقام التي يقدمها مقدمو هذه الخدمة فإننا نجد أن نسبة تتراوح من 10 إلى 20 في المائة من غرسات الشعر الصناعي المزروعة تسقط مرةً أخرى سنويًا. وهذا يعني أن الأثر العلاجي قد ينعكس تمامًا مرةً أخرى بعد فترة من خمسة إلى عشر أعوام على أقصى تقدير.
ولكن من الأوقع في هذا المقام افتراض نسب تساقط للشعر أكبر من النسب التي ذكرها مقدمو خدمة زراعة الشعر الصناعي. فيصرح الأطباء المعالجون الذين يقومون بعمليات استعادة الشعر بعد إجراء زراعة الشعر الصناعي بأن النسبة قد تتراوح من 20 إلى 50 في المائة في كل عام (إيماغاوا، 2010). وبالإضافة إلى هذه الحقيقة ثمة حقيقة أخرى بأنه لا يوجد أي سبب لافتراض أن فقدان الشعر الصناعي قد يحدث بنمط ثابت. ولكن ربما يكون هناك شخص يميل إلى النوم على جانب محدد أو يحك الجانب الأيسر من رأسه أكثر من الجانب الأيمن. وبالتالي تؤثر قوى مختلفة الشدة على الشعر الصناعي في مناطق محددة بفروة الرأس، الأمر الذي قد يؤدي إلى تساقط هذا الشعر في مواضع متفرقة من الرأس بسرعة متباينة.
ويبدو أن الشيء الوحيد الدائم في عملية زراعة الشعر الصناعي هو المكسب الذي يحققه مقدمو هذه الخدمة، نظرًا لأنه عندما يتضمن العرض الإعلاني لعملية الزراعة بالفعل حالة فقدان الشعر الصناعي فمن الممكن بناء قاعدة ثابتة من العملاء لعمليات زراعة لاحقة، طالما أن العملاء لديهم استعداد للمشاركة في هذا الإجراء.
فوائد مشكوك فيها لأيونات الفضة
كما ذكرنا آنفًا ينبغي أن تكون أيونات الفضة التي تُغطَى بها الغرسات لها تأثير مضاد للميكروبات، ومن ثم تقي من أية التهابات في موضع الوخز. من الناحية النظرية قد يبدو ذلك معقولًا، ولكن تطبيق ذلك من الناحية العملية ليس بهذه السهولة. صحيح أن استخدام أيونات الفضة بتركيزات منخفضة جدًا له تأثير مضاد للميكروبات (مثبط للبكتيريا) ومضاد للفطريات (مثبط للفطريات). ويرجع ذلك إلى أن أيونات الفضة تتفاعل مع مجموعات وظيفية محددة من البروتينات بهذه الكائنات الحية ومن ثم تؤدي إلى إصابتها بالخمول. غير أن هذا التأثير ينطبق فقط على الاستخدام الظاهري لأيونات الفضة. ولهذا السبب فيُفَضَّل استخدامها عند استخدام الكريمات أو الغسول أو الصابون. ولكن عند إدخال أيونات الفضة في الجسم كما هو الحال في حالة غرسات الشعر الصناعي فمن غير المحتمل بنسبة كبيرة أن يكون لها تأثير مضاد للميكروبات أيضًا هناك. وبالإضافة إلى أن هذه الكائنات الحية في حد ذاتها لا توجد تحت الجلد في الجسم السليم وإنما تصل إلى هناك عن طريق الوخز – إذا حدث ذلك – فيجب الأخذ في الاعتبار أن المريض يوفر لأيونات الفضة بروتينات ينتجها الجسم كأهداف للهجوم بنسبة أكبر بكثير من الميكروبات التي قد تكون موجودة. ومن ثم فإن التأثير الذي ينبغي أن تحدثه أيونات الفضة لابد وأن يتم تقييمه بأنه على الأقل مثير للشك، إن لم يكن حتى مضللًا.
فضلاً عن ذلك يمكن في هذا السياق الرجوع مرةً أخرى إلى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA التي قامت في عام 1999 بتأسيس مؤسسة خاصة بها لمراقبة الإعلان عن المكملات الغذائية التي تحتوي على أيونات الفضة على سبيل المثال ومنعها بناءً على المخاطر الصحية وكذلك الآثار الجانبية وعدم وجود أدلة طبية تؤكد التأثيرات الإيجابية لها.
عدم التوافق البيولوجي
على الرغم من مواصلة تطوير غرسات الشعر الصناعي منذ حصول هذه التقنية على براءة الاختراع الأصلية، إلا أن زراعتها تتسبب في حدوث مشكلة رئيسية لا يمكن القضاء عليها، ألا وهي: أنها تمثل بالنسبة للكائن الحي جسمًا غريبًا يبدأ الكائن الحي في مقاومته كرد فعل مناعي.
ولذلك ففي إطار عملية زراعة الشعر الذاتي – كما أقوم بها في عيادتي – لا تحدث أية مشكلة على هذا النحو، نظرًا لأن مادة الخلية تُنقَل فقط من موضع بالكائن الحي لتُزرَع في موضع آخر. وفي هذه الحالة يستطيع جسم المريض أن يميز أن الأمر هنا يتعلق بنسيج خاص بالجسم بحيث لا يحدث أي رفض للغرسة، الأمر الذي يختلف بالنسبة لأنسجة كائنات غريبة عن الجسم أو مواد صناعية، حيث يحدث هنا دائمًا شكل محدد من أشكال الرفض (ولكن لا يتطابق ذلك من جميع الجوانب مع رفض عضو بعد عملية الزراعة على سبيل المثال).
وينطوي استخدام الشعر الصناعي البيولوجي أو شبه البيولوجي على سبيل المثال على أخطار محددة بالنسبة إلى احتمال تسبب غرسات الشعر في الإصابة بحساسية. وقد تتراوح ردود فعل الكائن الحي من التهابات حادة بسيطة إلى التهابات مزمنة شديدة، أو قد يصل الأمر إلى موت خلية بالقرب من الغرسة بسبب رد الفعل المناعي. هذه الحساسية المحتملة ربما تكون أقل عند استخدام غرسات شعر صناعي مخلقة، ولكن تحدث هنا أيضًا تفاعلات حساسية.
الالتهابات والعدوى
ليس من الضروري أن تكمن المشكلة الأساسية بالنسبة لغرسات الشعر الصناعي – كما ذكرنا آنفًا – في المادة المستخدمة. ولكن ثمة مشكلة محددة تحدث عند استعادة الشعر بالشعر الصناعي: ويرجع ذلك إلى أنه عند تركيب شعر صناعي في فروة الرأس تنشأ قناة من الجروح مفتوحة نحو الخارج.
وحتى إذا أكد مقدمو خدمة زراعة الشعر الصناعي أن الشعر الصناعي يتكون من نفس مادة الخيوط التي تُستخدَم في التدخلات الجراحية يوميًا، إلا أننا لا يمكن أن ننسى أن أي خيط في منطقة البطن على سبيل المثال يكون محميًا من الوسط المحيط به، نظرًا لأنه موجود بالداخل وفي بطن أي شخص سليم لا توجد أية ميكروبات، وإلا كانت ستؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة. ومن ناحية أخرى فعند زراعة شعر صناعي لا يمكن شفاء قناة الجروح الناشئة عن تركيب الشعر الصناعي، وفي الوقت نفسه ينشأ منفذ مفتوح نحو الخارج، وهو يمثل بوابة دخول للبكتيريا الأخرى التي تتسبب في حدوث تفاعلات التهابية تذهب إلى ما هو أبعد من الإصابة المحتملة بالحساسية بسبب الشعر الصناعي. الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى الإصابة بالعدوى، نظرًا لأن ظروف الرأس توفر البيئة المثالية لحياة مسببات الأمراض. وعند نمو الشعر الصناعي تنشأ رطوبة جوية بنسبة عالية جدًا بين الشعرات ولو لفترة قصيرة على الأقل، وتساهم حرارة الجسم المنطلقة عبر الرأس في توفير الظروف المثالية لنموها. وتكون نتيجة هذه الجروح المكشوفة حتمًا الإصابة بالعدوى بكل آثارها غير المرغوبة. وبالإضافة إلى الالتهابات قد تنشأ أيضًا بعض الانتفاخات والتورمات. وبسبب رد الفعل المناعي المستمر في فروة الرأس قد يصل الأمر إلى حدوث موت موضعي للأنسجة. ونتيجة لذلك قد يحدث تلف بنهايات الأعصاب الموجودة في فروة الرأس، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الإحساس تمامًا في المناطق ذات الصلة. وفي الوقت نفسه قد تنشأ بعض الندوب، نظرًا لأن الجسم يستبدل بالنسيج المصاب بالموت الموضعي نسيجًا ضامًا غير محدد. وثمة إشكالية أخرى تكمن في حدوث حكة لا يمكن الاستهانة بها والتي تنشأ بسبب العدوى والالتهابات. ومن خلال هذه الحكة قد يحدث إجهاد ميكانيكي أكبر للشعر الصناعي وللشعر البيولوجي المتبقي، بحيث يصاب هو أيضًا بتلف دائم، مما يكون له أكبر الأثر المضر بالشكل الجمالي. علاوة على ذلك قد تنشأ جروح أخرى مكشوفة والتي تعزز الإصابة بالالتهابات، ومن ثم موت النسيج.
وعندئذ يدور المريض في حلقة مفرغة لا يمكن أن تتوقف أبدًا إلا من خلال الرعاية الطبية المستمرة. وقد ذُكِرَ على سبيل المثال أن المرضى الذين خضعوا لعمليات زراعة شعر صناعي فاشلة يجب أن يتناولوا في أول الأمر مضادات حيوية لفترة طويلة إلى أن تقل العدوى بقدر محدد لكي يمكن إجراء معالجة صحيحة فيما بعد. وفي هذه الحالة لا يمكن التفكير في النواحي الجمالية في بادئ الأمر، نظرًا لأنه يجب اتباع نظام علاج فعال لتخفيف الآلام الحادة أولاً قبل التفكير مجددًا في استعادة الشكل الجمالي للمناطق ذات الصلة.
العواقب المؤثرة على المعالجة اللاحقة
ينتج عن ذلك الإجراء عواقب وخيمة تؤثر على المعالجة اللاحقة. ولذلك يجب الحفاظ على التضادية أولاً لفترة إلى أن يصبح من الممكن إثبات عدم وجود أية عدوى مرةً أخرى. وبعد ذلك يجب التحدث مع المرضى المصابين بهذا الشأن بشكل مكثف. بعض المرضى يلحقهم الأذى من شدة المعاناة التي يعانونها، لدرجة أنهم يفضلون إزالة غرسات الشعر الصناعي. وبناءً على خبرتي فإنني أعرف أن الأمر يتعلق بتجربة شديدة البغض سواءً بالنسبة للمعالج أو المريض، نظرًا لأنه بالرغم من الآثار الجانبية الموضحة لتلك المعالجة إلا أن الكثير من غرسات الشعر الصناعي تمتزج بقوة بنسيج فروة الرأس، وربما لا يمكن إزالتها إلا بسحبها بقوة باستخدام آلة خاصة. وهنا قد تنشأ إصابات أخرى والتي تصعب المعالجة اللاحقة. وبرغم ذلك فهناك أيضًا مرضى يفكرون في استخدام غرسات جديدة بعد إزالة الشعر الصناعي. قد يرجع ذلك إلى أنهم يجذبهم التأثير البصري الفوري لعملية الزرع، حتى أنهم قد نسوا المضاعفات والعواقب التي حدثت فيما بعد. وثمة مرضى آخرون يرغبون في الحفاظ على غرسات الشعر الصناعي المتبقية ودمجها فيما بعد في عملية زراعة شعر ذاتي. هذه العلاجات المركبة يقدمها أيضًا مقدمو خدمات زراعة الشعر الصناعي، إلا أنه يتعين الأخذ في الاعتبار أن أقل عدوى تظهر فيما بعد بالشعر الصناعي قد تتداخل مع خصلات الشعر المزروع ذاتيًا وبالتالي قد يصبح الضرر أكبر وأعظم. ولكن يوجد أيضًا مرضى يرغبون في العودة إلى الحالة الأصلية التي كانوا عليها قبل إجراء عملية زراعة الشعر الصناعي بعد مرورهم بهذه التجربة، نظرًا لأنهم فقدوا الثقة في كل رعاية طبية ترتبط باستعادة الشعر. ومن المطلوب هنا توافر قدر كبير من العاطفة. فيجب على المعالجين في ضوء تحملهم للمسؤولية عدم حث المرضى على الخضوع لمعالجة أخرى لاحقة أو إقناعهم بذلك، وبرغم ذلك يجب أن يُوضَح لهم مرةً أخرى أن إجراء عملية زراعة شعر صناعي مجددًا ترتبط بعواقب كارثية محتملة تؤثر على المظهر الجمالي بصورة أكبر مما سببته عملية زراعة الشعر الصناعي السابقة. وفي أسوأ الأحوال المفترضة يلحق ضرر شديد جدًا بفروة الرأس وبعض الشعر المتبقي لدرجة أنه لا يعد من الممكن استعادة الشعر عن طريق الجراحة، وعندئذ يجب مثلاً استخدام شعر مستعار كامل أو جزئي أو خصلات من الشعر المستعار.
رجاء: قدر أكبر من التثقيف وحماية أفضل للمرضى
ينطوي كل تدخل طبي على أخطار ومخاطر تهدد المريض المصاب. وينطبق ذلك على العلاجات بالأدوية والعلاجات المسكنة، حيث تُجرَى محادثات تثقيفية منظمة جيدًا بهذا الشأن في المؤسسات الطبية. وتلعب المحادثة التثقيفية بخصوص المخاطر المحتملة دورًا مهمًا للغاية فيما يتعلق بالجراحة التجميلية والجراحة الترميمية، نظرًا لأنه ليس كل تدخل جراحي يُجرَى هناك يكون مستندًا إلى دواعٍ طبية. وحينما لا تكون هناك أية تهديدات للصحة النفسية أو الجسدية بسبب عدم المعالجة، يتعين موازنة الأمور فيما بين المخاطر والفرص التي تنطوي عليها المعالجة أو التدخل الجراحي بأدق شكل ممكن. ولكن يبدو أن الكثير من مقدمي الخدمة غير الجادين يتناسون هذه الدقة في العمل في سبيل تحقيق الربح السريع، إلى أن يؤدي ذلك دائمًا إلى إجراء العديد والعديد من عمليات زراعة الشعر الصناعي. ومن ثم يأتي المرضى – الذين تسبب هذا الإجراء لديهم في حدوث العواقب الوخيمة سالفة الذكر – إلى عيادتنا يائسين ويتم رعايتهم طبيًا في إطار معالجة لاحقة طالما كان ذلك ممكنًا.
في ظل مستوى المعرفة العلمية الحالية وخبرات الهيئات المختصة بشأن هذه المعالجات وفي ضوء خبرتي المهنية الشخصية أرى أنه أمرًا كارثيًا أن تقبل الجهات المختصة عملية زراعة الشعر الصناعي في كثير من البلدان حول العالم وتجيزها كإجراء علاجي. مبدئيًا كان يتعين على هذه الجهات أن تتولى مهمة مراقبة الممارسات المهنية الطبية الصحية بصورة أكثر صرامة ومنع مثل هذه الإجراءات العلاجية، كما فعلت هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية FDA قبل 35 عامًا تقريبًا في الولايات المتحدة.
وفي المواطن التي تخفق فيها الجهات المختصة، يكون من المطلوب من الأطباء الجادين والمعالجين الآخرين المزيد والمزيد من تثقيف المرضى والحرص على حمايتهم ووقايتهم في إطار تحملهم للمسؤولية، نظرًا لأنه كثيرًا ما يبدو أن العروض معقولة التكلفة والمعالجة السريعة تمثل قوة جذب للمرضى أكبر بكثير من قوة المحادثة التثقيفية الدقيقة. وهذا ليس خطئًا من المرضى، وإنما هو خطأ الذي يطبق تلك الأساليب المشكوك فيها على الرغم من المخاطر والعواقب الوخيمة الهائلة المعروفة فقط من أجل مصالح ومكاسب مالية. وفي هذا الصدد يُطالَب المعالجون المسؤولون بانتهاج سياسة تثقيفية شاملة لحماية المرضى من أية أفعال غير مسؤولة ومن أية وعود زائفة من مقدمي خدمات الشعر الصناعي.
عودة إلى فهرس المحتويات