مقدمة

القراء الأعزاء،

كما هو معروف من وسائل الإعلام يتم دعوة الناس عبر الحملات الإعلامية المتنوعة للمشاركة كمتبرعين بالأعضاء نظرًا لعدم كفاية الكمية المتوفرة من الأعضاء المتبرع بها وعدم قبول الجهاز المناعي للشخص المستقبل لتلك الأعضاء في كثير من الأحيان، لتوفير الرعاية لكافة الأشخاص الذين تتطلب حالتهم زراعة أعضاء. ولهذا السبب تُبذل منذ فترة طويلة مساعٍ وجهود لاستغلال مصادر جديدة للأعضاء القابلة للزراعة. على سبيل المثال من المألوف اليوم أن يحصل مرضى محتاجون إلى صمام قلب جديد على صمام قلب خنزير. وبرغم ذلك فهناك قيود ضيقة على الطرق المستخدمة في طب زراعة الأعضاء فيما يتعلق بزراعة أعضاء عبر حدود الأنواع.

ولهذا السبب تُجرَى في المختبرات منذ وقت طويل محاولات لتخليق أعضاء وأنسجة صناعية، وهو ما يطلق عليه الهندسة الحيوية أو هندسة الأنسجة. وهذه الطريقة توفر ميزة مهمة؛ وهي أنه لم تعد هناك أية ردود فعل مناعية نهائيًا رافضة للغرسة وأن جهاز مناعة الشخص المستقبل يقبل الغرسة بالكامل. وبالإضافة إلى إمكانية تخليق كلى أو صمامات قلب أو أكباد إلا أن هذه التقنيات تهم أيضًا الأشخاص الذين يعانون من الصلع على سبيل المثال، ولكنهم لا تتوفر لهم إمكانية زراعة الشعر الذاتي نظرًا لأن مساحة الجزء المتبرع لديهم صغيرة جدًا. وهنا ظهرت فكرة أنه يمكن أيضًا تخليق بصيلة الشعر الصناعية اللازمة لإجراء هذه المعالجة في وسط استنبات خلايا.

هذه الأفكار موجودة فعليًا منذ سبعينيات القرن العشرين تقريبًا، وعلى إثرها تُجرَى منذ فترة طويلة تجارب عديدة لتنفيذ تلك الأفكار. ولكن، إلى أين وصل تصنيع غرسات الشعر الذاتي في الطب الحيوي في الوقت الراهن؟ في مقالتي الجديدة أود أن أستعرض لكم أحدث ما توصل إليه البحث العلمي والأسس التي يقوم عليها في هذا الصدد. وفيما يلي لن نتناول فقط كيف يمكن تصنيع غرسات الشعر الذاتية حسب احتياجات المريض، وإنما أيضًا العقبات الفعلية التي نواجهها عند بحث مثل هذه الخيارات العلاجية، وما هو مُنتَظَر بالتالي على أرض الواقع في الأعوام المقبلة من أبحاث الطب الحيوي.
وفي هذا الصدد أتمنى لكم قضاء وقت ممتع مع قراءة هذه المقالة!
مع أطيب التمنيات،
أنجيلا ليمان

التخليق الصناعي للأعضاء والأنسجة كمصدر محتمل لغرسات الشعر الذاتية

منذ بضعة أعوام استطاعت الهندسة الحيوية أو هندسة الأنسجة (تخليق أنسجة وأعضاء صناعية) أن تسجل نسب تقدم مذهلة، حيث تظهر بين الفينة والأخرى تقارير تفيد بأنه بات من الممكن في المستقبل القريب أن تُصَنَّع في المختبر أعضاء كاملة أيضًا لتُستخدَم كغرسات تكون هناك حاجة ماسة لزراعتها، وتمتاز بأعلى نسبة توافق مناعي ويتم تعديلها بناءً على احتياجات كل مستقبِل لها. ولتصنيع غرسات الشعر الذاتية هناك مساعٍ حثيثة للعمل على تصنيع هذه الغرسات بحسب احتياجات المستقبِل. ولهذا السبب فإنني أود في مقالتي هذه أن أحيطكم علمًا بأحدث ما توصل إليه البحث العلمي بخصوص موضوع غرسات الشعر الذاتية من مختبر استنبات الخلايا.

عودة إلى فهرس المحتويات

كيف تعرف الخلية مهمتها داخل الجسم؟

قبل أن ندلف إلى طرح السؤال عن كيفية تصنيع الأعضاء والأنسجة الصناعية التي قد تفضي إلى إحداث ثورة في طب زراعة الأعضاء يجب أن نبحث أولاً كيف «تعرف» أية خلية بالجسم مهمتها المحددة التي تقوم بها في عضو ما أو نسيج ما. دعونا نتحدث أولاً عن الخلية اللاقحة. فهي تنقسم في أول الأمر بحيث ينتج عن كل خلية في الأصل خليتين متطابقتين. وعملية الانقسام هذه تحدث بشكل متكرر بحيث يزداد عدد الخلايا الفردية بمعدل ثابت. ولكن بدءًا من نقطة معينة تتغير الخلايا، ويعني ذلك أنها تمر بعملية تخصص. فبينما ينشأ مبدئيًا عن كل خلية لاقحة خلية أخرى من خلايا الجسم – مثلاً خلية جلدية أو خلية كبدية أو خلية عصبية، لن يصبح من الممكن «تغيير تخصص» الخلايا التي قد تخصصت من قبل. وهذه العملية يطلق عليها أيضًا التمايز الخلوي ولا يمكن عكسها في خلايا الجسم الناضجة بشكل طبيعي مرةً أخرى. ويعني ذلك أية خلية عصبية متمايزة تمامًا ستظل دائمًا خلية عصبية.
إن الخلايا المتمايزة هي السبب في تكون الجسم من أنسجة مختلفة، حيث يصف المصطلح “النسيج” دائمًا مجموعة من الخلايا المتخصصة من نفس النوع. ولهذا تختلف الأنسجة المختلفة فيما بينها في أن خلاياها تتسم بتعبير جيني مميز على سبيل المثال. ويعني ذلك مثلاً أن في داخل أية خلية كبدية يتم قراءة المزيد من الجينات التي ترتبط بتخليص الجسم من السموم، بينما في الخلايا العصبية يتم قراءة المزيد من الجينات التي تتعلق بنقل المعلومات العصبية. فضلاً عن ذلك تختلف أنواع الخلايا عن بعضها البعض حيث تنقسم الخلايا من نفس النوع بشكل أسرع من الخلايا من أنواع أخرى. وينتج عن ذلك عدة أمور من بينها إمكانية تجدد أنسجة مختلفة بمستويات قوة وسرعة مختلفة. وبناءً على ذلك تُشفى أية إصابة بالجلد عادةً في غضون أيام قليلة، ولكن قد يستغرق الأمر عدة أعوام حتى يتجدد نسيج عصبي على سبيل المثال بعد حدوث سكتة دماغية (أو لا يتجدد إطلاقاً).

ويطلق على قدرة التمايز الخلوي المستمرة عدة مصطلحات مختلفة. فبينما يمكن لأية خلية لاقحة على سبيل المثال أن تكوِّن خلية أخرى من خلايا الجسم (وهذه الخلية اللاقحة يطلق عليها “خلية كاملة القدرات“) فيمكن لخلايا جذعية محددة أن تكوِّن أنسجة محددة فحسب (وهنا نتحدث عن الخلايا متعددة القدرات). ومع ذلك ففي الأعوام الماضية أمكن إثبات وجود خلايا جذعية متعددة القدرات أيضًا في أعضاء وأنسجة أي شخص بالغ، ويمكن استخدامها في علاج بعض الأمراض نظرًا لأنها يمكنها بناء العديد من الأنسجة الأخرى. ولكن عندما يصبح من غير الممكن انقسام خلية تخصصت من قبل وإنما «يمكنها فقط أداء وظيفتها» في الجسم فيطلق عليها تسمية الخلايا الهَرِمَة.
وفي هذا المقام يجب أن نذكر أن أحد التحديات التي سيتم بحثها فيما يلي يكمن في أن أي عضو لا يتكون دائمًا من نسيج واحد فقط، وإنما يتكون من روابط خلوية مختلفة النوع. ومن ثم يتم التمييز بين أنواع متعددة بالنسبة لجلد الإنسان على سبيل المثال: الخلايا الليفية اليافعة هي الخلايا السالفة لخلايا الأنسجة الضامة، وفي المقابل نجد على سبيل المثال أن الخلايا الكيراتينية تساهم في بناء البشرة، بينما تعد الخلايا الميلانية مسؤولة عن لون الجلد بسبب إنتاج الأصباغ. وبناءً على ذلك لا يمكن الحديث عن نسيج حتى في حالة وجود بصيلة شعر واحدة، لأن الأمر هنا يتعلق بشكل عام بعضو الشعر.

عودة إلى فهرس المحتويات

ما هي إمكانيات التأثير على استنبات الخلايا من أجل تصنيع أعضاء وأنسجة محددة؟

إن جميع الوسائل المصممة لتصنيع أعضاء أو أنسجة في المختبر تهدف الآن إلى تغيير خريطة التخصص المتعلقة بنشأة الخلايا، حيث تتوفر في الوقت الراهن العديد من الطرق المختلفة. ولكن علينا هنا أن نقدم أولاً لمحة تاريخية موجزة:

من منتصف القرن الماضي وحتى نهايته كان غالبية الباحثين مقتنعين تمامًا بأن جسم أي شخص بالغ يحتوي على عدد قليل جدًا من الخلايا الجذعية متعددة القدرات والمكونة للأنسجة والتي لا يمكن الاستفادة منها في العلاج إلا بصورة محدودة فقط. وقد كانت هذه الخلايا معروفة على سبيل المثال في النخاع العظمي وفي الخلايا المكونة للدم. وحتى ذلك الوقت كانت هناك العديد من الاعتقادات من بينها أن الخلايا العصبية للمخ لم تعد تتميز بقدرتها على التجديد، فقد كانت هذه الخلايا هَرِمَة، وبالتالي فهي موجودة، ولكنها قادرة على متابعة وظائفها البيولوجية فحسب. وبرغم ذلك في الثلاثين عامًا الماضية تقريبًا تم تحديد المزيد من أنسجة جسم الإنسان التي ثبت نشاط الخلايا الجذعية فيها في عمر البالغين والتي أمكن استخدامها كمصدر من مصادر تجديد الأنسجة. صحيح أن الأمر لا يتعلق هنا بالخلايا الجذعية كاملة القدرات (تلك الخلايا القادرة على بناء كل الأنسجة) ولكن الخلايا الجذعية البالغة أيضًا قادرة على بناء العديد من الأنسجة المتجانسة. وهكذا يمكن أن تتمايز الخلايا الجذعية العصبية البالغة إلى خلايا عصبية وخلايا دبقية صغيرة (تضمن تغذية الخلايا العصبية)، وهو أمر مهم لتجديد خلايا المخ على سبيل المثال في حالات الإصابة بالسكتة الدماغية.

وللحصول الآن على خلايا جذعية – مهما كان نوعها – من أجل الهندسة الحيوية أو هندسة الأنسجة للغرسات، ثمة خطوة أولى مهمة يجب اتخاذها، ألا وهي عزلها من الجسم. ويتوقف ذلك على عاملين: فمن ناحية لا توجد الخلايا الجذعية في الجسم على وجه التحديد حيثما يكون هناك حاجة إليها لإجراء تدخل علاجي (على سبيل المثال توجد بعض الخلايا الجذعية في قاع بصيلة الشعر، بينما يكون هناك حاجة إليها للاستخدام العلاجي في طبقات الخلايا الموجودة فوقها)، ومن ناحية أخرى غالبًا ما يكون عدد هذه الخلايا في الجسم قليلاً جدًا للتمكن من الاستفادة منها في العلاج بصورة تحقق الفائدة المرجوة. ومن خلال عزل الخلايا تنشأ هناك فرصة لترابط هذه الخلايا الجذعية خارج الجسم وتكاثرها في المحاليل المغذية (حيث تتحفز القدرة على الانقسام خارج الجسم في بعض الأحيان إلى حد كبير) وتتمايز إلى نوع الخلية المطلوب بحسب عوامل النمو والتمايز المختلفة ذات الصلة. أحيانًا يطلق على هذا التكاثر «الاستنساخ»، إلا أن هذا التعبير ينطوي على قدر من الإشكالية في هذا السياق. فهنا تظهر أول المشاكل: تتصرف الخلايا الجذعية خارج الجسم في صحن استنبات (صحن بتري) بصورة مختلفة عما تفعله داخل الجسم. على سبيل المثال تفقد أوساط استنبات الخلايا الجذعية قدرتها على الانقسام أو التجدد بدون أي سبب واضح. فهي تتمايز تلقائيًا إلى نوع غير نوع الخلايا المطلوب أو تتحول بمرور الوقت إلى أشكال مختلطة لا تبعث على الاهتمام بإجراء المزيد من البحث. ولذلك فإن إيجاد ظروف الاستنبات المناسبة لكل نوع من أنواع الخلايا يمثل تحديًا كبيرًا. ويحدث ذلك اليوم في الغالب في إطار مبدأ التجربة والخطأ.

وإذا ما نجحنا في إيجاد ظروف الاستنبات الصحيحة فمن الأهمية بمكان إعطاء الخلايا الإشارات الصحيحة للتمايز المحتمل. وهنا تتوافر العديد من عوامل النمو التي بإمكانها إحداث أعداد كبيرة من المؤثرات المختلفة. ولذلك يتعين تجربة التركيبات الصحيحة بأعداد هائلة للوصول إلى نتيجة مُرضِيَة. إلا أن الخلايا الجذعية المستنبتة تتأثر سلبًا أيضًا ببعض المؤثرات التي لا يمكن استحداثها في المختبر إلا بصعوبة أو لا يمكن استحداثها نهائيًا. على سبيل المثال من أجل تحقيق عملية تمايز ناجحة يلزم حدوث اتصالات بين الخلايا من نفس النوع، بل وبين الأنواع المختلفة أيضًا. وبهذه الطريقة تتواصل الخلايا المستنبتة مع بعضها البعض مما يسمح لها بالتبادل تحت تأثير مادة ناقلة أخرى أو بالترتيب بطريقة محددة داخل صحن الاستنبات. وإذا تسبب نوع من الخلايا في تحفيز نوع خلايا آخر على التمايز فإننا هكذا نكون بصدد الحديث عن عملية حث.

لتوضيح أن اختبار ظروف مختلفة للقيام بالتجارب ليس أمرًا سطحيًا أو تافهًا سنعرض فيما يلي باختصار كيف تم بحث الحث على بناء بصيلات شعر جديدة: فهذا الحث اتضح أثره في إعادة بناء بصيلات الشعر لأول مرة على القوارض، حيث ثبتت قدرة حث الخلايا الحليمية (خلايا في إحدى طبقات الجلد) في عام 1970 على هذه الحيوانات. غير أن الأمر استغرق 14 عامًا لتجربة ظروف الاستنبات بحيث تظل هذه القدرة على الحث باقية أيضًا لدى الخلايا الحليمية للقوارض المتكاثرة في إطار عملية استنبات الخلايا. إلا أن الباحثين واجهوا صعوبات كبيرة في تطبيق هذه المعارف على مستوى البشر. وقد حدث ذلك لأول مرة في عام 1999 عندما نجحوا في إثبات قدرة الحث على إعادة بناء بصيلات الشعر للخلايا المهبلية البشرية (وهي توجد في طبقة البشرة المتصلبة، أسفل الأدمة مباشرةً) والتي تم زرعها في منطقة سليمة بالجلد. الجدير بالذكر هنا أن عملية الزرع هذه أجريت على الإنسان بجنسيه وحققت نجاحًا. ولكن الأمر استغرق حتى عام 2012 حتى أصبح من الممكن لأول مرة بناء عضو الشعر بالكامل في جسم الشخص المستقبل من خلال عملية زرع الخلايا الجذعية. وكان عضو الشعر الجديد يرتبط بعملية التغذية بالكامل (الدورة الدموية والدورة الليمفاوية) للنسيج المحيط. وقد مرت بصيلة الشعر الجديدة بعدة دورات نمو للشعر وتمكن الشعر المتكون من الانتصاب بفعل عضلة شعر موجودة (انتصاب الشعر، ويطلق عليها لدى الإنسان “القشعريرة”). إلا أنه تم استخدام الفئران مجددًا كحيوانات تجارب لإجراء هذه التجربة، ولم تحقق هذه النتائج نجاحًا على مستوى البشر حتى اليوم. ولكن لماذا لم يتحقق ذلك، هذا هو ما يمثل لغزًا أمام الباحثين، ومن ثم فهم يعملون حاليًا على إيجاد حل له.

عودة إلى فهرس المحتويات

كيف يبدو الأمر الآن بالنسبة لتصنيع بصيلات لعملية زرع الشعر الذاتي؟

لقد كان التحديد الدقيق للخلايا الجذعية متعددة القدرات لجلد الإنسان القادرة على بناء كافة الأنسجة تقريبًا والتي يلزم وجودها في الجلد بمثابة اكتشاف مذهل في البحث العلمي الحديث. فمن خلال تحليل الأصول أمكن تحديد هذه الخلايا التي يمكن تمييزها إلى جميع خلايا الجلد (بما في ذلك عضو الشعر) داخل الجسم. توجد هذه الخلايا الجذعية في أسفل غمد بصيلة شعر، ومن ثم يمكن بناء بصيلات الشعر من خلال الاتصال بخلايا الجلد المتخصصة جزئيًا عندما تتصل ببعضها البعض. وبعد ذلك بقليل أصبح من الممكن توضيح أنه من الممكن الحفاظ على هذه القدرة أيضًا عند عزل الخلايا وتكاثرها في ضوء عملية استنبات الخلايا.

إلا أن الباحثين اصطدموا بمشكلة في هذه النقطة، وهي لم تكن من ضمن محاور الاهتمام في بادئ الأمر: فالأعضاء – ومعها أيضًا عضو الشعر- هي عبارة عن أجسام ثلاثية الأبعاد لا يمكن إنتاجها في صحن استنبات خلايا مسطح ثنائي الأبعاد إلا بقدر غير كافٍ. والسبب في ذلك هو أن ظروف النمو أو التمايز المثالية لم تضمن حتى الآن انتظام ترتيب الخلايا من حيث المكان كما هو الحال في بصيلة شعر ثلاثية الأبعاد في جلد الإنسان. ولذلك فإنه من الضروري إجراء المزيد من التعديلات على ظروف التجارب.

إن الأبحاث المتعلقة بالنمو ثلاثي الأبعاد تُجرَى منذ ذلك الحين باستمرار، وقد أسفرت عن مفاجأة مدوية جديدة في عام 2013: في هذا الوقت كان من المعروف أن القدرة الحثية للخلايا الحليمية لدى الإنسان التي يمكنها تحفيز الخلايا الجذعية لبناء بصيلات شعر جديدة تضيع جزئيًا على الأقل في أوساط استنبات الخلايا، وترجع هذه الحالة إلى انعدام الاتصال الخلوي بالأنسجة المحيطة مثل الأدمة (البشرة المتصلبة). وبناءً على هذه التصورات توصل الباحثون إلى استخدام طريقة بناء ثلاثي الأبعاد بدلاً من التصميم التجريبي ثنائي الأبعاد، ففي هذه الطريقة الجديدة لم تنمو الخلايا في قاع وعاء استنبات الخلايا كما كان يحدث حتى الآن، وإنما كانت تتحرك بحرية في صورة قطرات صغيرة على غطاء صحن بتري. الصورة التالية توضح كيف يبدو الفرق بين ظروف النمو فعليًا.

توضح الصورة الفرق بين عملية استنبات خلايا ثنائية الأبعاد وأخرى ثلاثية الأبعاد. فبينما يمكن في النوع ثنائي الأبعاد سواء بالعرض الجانبي (1) أو العرض الرأسي (2) تحديد أن الخلايا تكون طبقة في قاع صحن بتري فقط، فإن الخلايا في التصميم التجريبي ثلاثي الأبعاد تنتظم في العرض الجانبي (3) والعرض الرأسي (4) على غطاء صحن بتري في صورة قطرات معلقة بالمحلول المغذي.

توضح الصورة الفرق بين عملية استنبات خلايا ثنائية الأبعاد وأخرى ثلاثية الأبعاد. فبينما يمكن في النوع ثنائي الأبعاد سواء بالعرض الجانبي (1) أو العرض الرأسي (2) تحديد أن الخلايا تكون طبقة في قاع صحن بتري فقط، فإن الخلايا في التصميم التجريبي ثلاثي الأبعاد تنتظم في العرض الجانبي (3) والعرض الرأسي (4) على غطاء صحن بتري في صورة قطرات معلقة بالمحلول المغذي.

وحتى إذا افترضنا أن هذا يمثل تغييرًا صغيرًا جدًا في ظروف التجربة، إلا أن هذه الطريقة أظهرت تغييرات مهمة جدًا: عند إجراء أبحاث عن أشكال التعبير الجيني – أي مسألة مدى قوة قراءة جين محدد في الخلية – تمكننا من إثبات أن أوساط استنبات الخلايا ثلاثية الأبعاد أكثر شبهًا بالخلايا الجذعية لبصيلات الشعر المطلوبة بنسبة 22 في المائة عن الخلايا الموضحة في وسط استنبات الخلايا ثنائي الأبعاد. وقد تم زرع هذه الخلايا من وسط استنبات ثنائي الأبعاد بعد ذلك في فئران صلعاء، وتكونت بصيلات شعر جديدة كانت تتكون من خلايا بشرية وخلايا إنسان وأنتجت شعرًا جديدًا. ويجب أن توضح المزيد من الأبحاث فيما بعد موثوقية إجراء هذه الطريقة أيضًا عند إجراء عملية زرع من إنسان إلى إنسان. إلا أن هذه التجربة لا تزال رائدة، نظرًا لأنه أصبح بالإمكان لأول مرة عزل الخلايا الجذعية الجلدية البشرية واستنباتها بدون أن تفقد القدرة على بناء البصيلات. وقد أُثبِتَ ذلك أيضًا من خلال إجراء عملية زرع بكائن حي آخر.

وبرغم ذلك لا تزال هناك صعوبات عديدة أمام إجراء المزيد من الأبحاث عن الهندسة الحيوية لبصيلات الشعر (وقلما ما يطلق عليها أيضًا استنساخ بصيلات الشعر) والتي تعد مناسبة لعلاج الصلع أو أي شكل آخر من أشكال فقدان الشعر، ومنها بحث إمكانية تحديد ظروف الاستنبات المناسبة والتغيير من التصميم التجريبي ثنائي الأبعاد إلى ثلاثي الأبعاد. وثمة تحديات أخرى في هذا الصدد تكمن في عدم ظهور الشعر الذي أعيد بناؤه دائمًا بالملمس والقوام المطلوب، حيث يكون الشعر المتكون أكثر رقة أو أكثر سمكًا بكثير في بعض الأحيان، أو لا يظهر بنفس لون الشعر نظرًا لانعدام وجود الخلايا الميلانية المكونة للأصباغ في هذا النموذج التجريبي. وثمة مشكلة أخرى تنتج دائمًا عن الترتيب المكاني للخلايا: صحيح أنه في عملية الزرع تتكون بصيلات شعر، إلا أنها تنمو داخل بعضها البعض أو لا يمكن تحديدها بوضوح أو من بصيلة واحدة تنمو عدة جذوع شعر. وتكون بالتالي غير مرتبة حتى أنه لا يمكن تحديد اتجاه نمو الشعر فيما بعد في حالة زراعة الشعر الذاتي إلا بصعوبة، في حالة الرغبة في زرعها كغرسات دقيقة. ولا يزال عدد دورات نمو الشعر التي تمر بها هذه البصيلة قبل أن تموت غير واضح. وبدون هذه المعلومات لا يمكن تقدير مدى ثبات عملية زراعة شعر ذاتي بواسطة بصيلات شعر مخلقة صناعيًا إلا بصعوبة. ولكن في غمرة كل هذه السعادة بتلك المعارف الجديدة لا يجب أن ننسى أن مثل هذه الأبحاث العلمية ترتبط دائمًا بتكلفة مادية ضخمة، وأن المصالح المالية دائمًا ما تسير جنبًا إلى جنب مع البحث العلمي.

يوضح الرسم التخطيطي كيف تنمو عدة جذوع شعر من بصيلة شعر مخلقة صناعيًا في اتجاهات مختلفة.

يوضح الرسم التخطيطي كيف تنمو عدة جذوع شعر من بصيلة شعر مخلقة صناعيًا في اتجاهات مختلفة.

وتلخيصًا لما سبق يمكننا هنا القول بأنه صحيح أن البحث العلمي حول الهندسة الحيوية لبصيلات الشعر أو استنساخ بصيلات الشعر يسير في طريقه الصحيح بكل تأكيد، وهو ما توضحه النجاحات المحققة في العام الماضي، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الملقى على عاتق الباحثين حتى أن معالجة تساقط الشعر باستخدام بصيلات شعر مخلقة صناعيًا في المختبر لن يكون في الإمكان في الغد، ولكن قد يكون من المتوقع في الأعوام العقود المقبلة أن تشهد تلك الطرق تحسنًا بحيث يمكن الاستخدام العلاجي واسع الانتشار لبصيلات شعر مصنعة في المختبر.

وبرغم ذلك توجد اليوم أيضًا طريقة مجربة بالنسبة لعملية زراعة الشعر الذاتي تسمح للأشخاص الذين يعانون من الصلع أو أية أشكال أخرى من أشكال سقوط الشعر بالتغلب على معاناتهم. ولا يسعنا القول بشكل إجمالي أن هذه الطريقة تمثل خيارًا علاجيًا مناسبًا لك على وجه الخصوص أو أن المنطقة المتبرعة على سبيل المثال كافية لإجراء معالجة ناجحة. وفي هذا السياق يلزم تقديم استشارات متخصصة وتوعية المرضى المهتمين بإجراء عملية زراعة شعر ذاتي. إذا كنت تشعر أنت أيضًا أنك تعاني من فقدان شعرك بشكل متزايد أو أنك مهتم بإمكانات وحدود زراعة الشعر الذاتي بشكل عام وغير ملزم فإنني من هذا المنطلق أود أن أشجعك على الاتصال بي لإجراء محادثة استشارية في مستشفانا لنتوصل سويًا إلى إيجاد حل مناسب ومسؤول.
مع خالص تحياتي،
أنجيلا ليمان

عودة إلى فهرس المحتويات

مراجع إضافية

Higgins, C. A., Chen, J. C., Cerise, J. E., Jahoda, C. A. & Christiano, A. M. (2013). Microenvironmental reprogramming by three-dimensional culture enables dermal papilla cells to induce de novo human hair-follicle growth. Proceedings of the National Academy of Sciences, 110(49), 19679–19688.

Stenn, K. S. & Cotsarelis, G. (2005). Bioengineering the hair follicle: fringe benefits of stem cell technology. Current opinion in biotechnology, 16(5), 493–497.

Tezuka, K., Toyoshima, K. E. & Tsuji, T. (2016). Hair follicle regeneration by transplantation of a bioengineered hair follicle germ. Multipotent Stem Cells of the Hair Follicle: Methods and Protocols, 71–84.

عودة إلى فهرس المحتويات